السبت، 15 ديسمبر 2012

لحظة

لحظة حزن أخرى لها أسبابها المباشرة و أشعر كذلك بحوافزها الدفينة. لا أعلم إذا كان ذلك الشعور بتلك الحوافز حقيقياً أم انه مصطنعاً نتيجة قراءات متعددة -بالأخص فى بعض كتب الفلسفة و علم النفس- تدعى معرفتها بأصل جميع المشاعر و أصل كل الأشياء تقريباً. أو ربما تكون تلك الحوافز نتيجة حيرة أو قلق دائم أو بالأحرى تفكير عشوائى متواصل فى كل شئ تقريباً دون الوصول لأى شئ تقريباً. حسناً إذا كنت لن أصل إلى شئ فى معرفة حقيقة تلك المشاعر ربما من حقى على الأقل أن اتساءل. هل جميع البشر يمرون بتلك اللحظات كثيراً مثلى؟ هل جميع الناس يشعرون بحزن دفين لا يفارقهم حتى فى أهم لحظات فرحهم؟ هل تنجح محاولات الإنسان البائسة فى الهروب من تلك اللحظة سواء بالتفكير فى أشياء تجعله يشعر بالسعادة أو بالصلاة أو أو بشغل جميع أوقات فراغهم بالدراسة و الزواج و العمل و الأطفال و الحياة الإجتماعية و الأصدقاء و متابعة المباريات و الفن و تفتيت ساعات اليوم الطوال أمام تلك الأجهزة الوليدة من نكاح العقل و العلم؟

دائماً أفكر فى حياتى و حياة الناس و أستمر فى إرهاق عقلى بالعديد من الأسئلة. ما الهدف؟ما المصير؟ما الذى يجب أن نسعى إليه؟ وما الذى نسعى لعدم الوقوع فيه؟ كيف نقلل من معاناة البشر؟ ما الذى نحلم به؟ و ما الذى نهرب منه و يطاردنا فى كوابيسنا؟
طوال الوقت أشعر أننى بتفكيرى المتواصل فى كل هذه الأشياء أهرب من شئ و أسعى إلى شئ اخر. ربما أحاول الهروب من اتلتفكير فى الموت أو الهروب من التفكير فى كل المعاناة و الكوارث التى يمر بها الإنسان. و أسعى فى تفكيرى إلى شئ يجعلنى أشعر بقدر و لو بسييط من السعادة أو قل الرضا ذلك الرضا الممسوح بقدر من اللامبالاة أكثر منه رضا. ربما هذا التفكير الإيجابى يكون فى أشياء متخيلة مستحيلة الحدوث لكن على الرغم من ذلك يرضى عقلى القبول بها و التصديق عليها و عدم التفكير فى جدواها.

و ربما هذا هو سبب كتابتى و توثيقى لتلك اللحظة. فمن الممكن أن تكون الكتابة عن أى مشاعر قلق أو حزن أو خوف -بإعتبارها أشياء غير مادية- و تحويلها إلى شئ مادى ملموس يحصرها فى تلك الكلمات و السطور القليلة شديدة السطحية. ويقلل من المساحة التى تشغلها فى تفكيرى.

لا أستطيع التأكيد على تخلصى من تلك المشاعر بالكتابة عنها و لكننى أستطيع أن أقول أن هذا الفعل يقوم به الإنسان فطرياً منذ قديم الأزل. فالإنسان حول مشاعر خوفه و جهله بالطبيعة و بالخالق إلى مجموعة من التماثيل التى صنعها بيده و لم يجد مشكلة فى عبادته لها. و حول خوفه وقلقه الدائم من الوحوش المفترسة و هروبه منها إلى الكهوف برسم تخيلى لتلك الوحوش و الكائنات على جدران تلك الكهوف التى احتمى بها. ولا تخلو كتب التراث من ملاحم شعرية عظيمة و أساطير تتحدث عن الأماكن التى لم يصلها بشر و التى تمتلئ بوحوش هائلة و كائنات هجينة من البشر و الحيوانات المفترسة و كل ذلك تعبير عن خوفه و تفكيرة الدائم فى تلك الأماكن البعيدة و الخطر المحدق بمن يحاول الاقتراب منها. و العديد من القبائل التى تعيش حياة بدائية حتى الان لا يخلو حديثهم عن تلك الكائنات و لا تخلو لحظات خوفهم و قلقهم من تراتيل و أناشيد معينة تحميهم من جميع لحظات خوفهم و قلقهم.

حاول الكثير من علماء النفس و الفلاسفة تفسير تلك الأفعال بأنها سعى من الإنسان نحو الخوف و لكننى لا أجد هذا التفسير مقبولاً بالنسبة لى. و أرى أننى متوافق أكثر مع التفسير الذى قلته من قبل و هو محاولة حصر جميع المشاعر السلبية- من خوف و قلق و حزن- إلى شئ مادى. لا يهمنى أن أحدد مدى صواب الفكرة من عدمه و لكن المهم بالنسبة لى هو أننى أشعر بقدرتى على النجاح فى الهروب من تلك اللحظة بكتابتى عنها. و لتكون تلك الكلمات هى أنشودتى التى أنشدها عند معاودة الشعور بتلك اللحظة. و سوف أطلق هذه الكلمات خارج كراستى ربما تساعد كل من يمر بتلك اللحظة فى القدرة على تجاوزها. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق